مقالات بصراوي

الامام السجاد وإبقاء نتائج نهضة عاشوراء حية

الامام السجاد وإبقاء نتائج نهضة عاشوراء حية

مقال : جميل ظاهري

ثورة الامام الحسين عليه السلام  ووقفته البطولية يوم الطف أعطت دروساً بالأخلاق والإباء والتضحية والصمود والمقاومة، ردعاً للتزييف والتحريف والظلم والديكتاتورية، أكثر مما تحصى ويعجز الوصف عن إحصاء مفرداتها فأصبح الامام الحسين (عليه السلام) رمزاً للثائرين في كل مكان من الأرض وفي كل الأديان والملل، ومن عجائبها هو استمراريتها فبعد أكثر من 1380 عاماً لا تزال شعلتها تتقد في نفوس المؤمنين، فأقيمت على منهجها دولاً وممالك نشرت الخير والإصلاح وأضحت مناراً للمستضعفين وطلاب الحرية على مر العصور.

قيام ثورة عاشوراء والنتائج التي رسمتها وطبعتها على مسار التاريخ الإسلامي أسس نهجاً إسلامياً متميزاً كالاستقلالية التي تمثلت بالفقه الإسلامي الذي يختص سنده بأئمة أهل البيت (ع) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ووضعت حداً فاصلاً بين ما هو إسلامي حقيقي وبين المبادئ الدخيلة على هذا الدين القيم وأزاحت الستار عن حقبة تاريخية إسلامية كانت تعد مرجعاً إسلامياً، فعزت حالة الخلل والانحراف وفرزت السلبيات التي رافقت الدعوة الإسلامية منذ نشوئها.

الأمويون نشروا مبدأ قدسية الحاكم وإحكام مبدأ السيف بدل المقاييس الإسلامية التي كانت سائدة وكذلك أعادوا العصبية القبلية والقومية والرضوخ للقوي واتخذوها شعاراً للحكم في عهد “معاوية” ما ألغى الصفة الدينية للخليفة. ومن هنا كان لقيام الامام الحسين (ع) على هذا الواقع الفاسد هي إعادة تشكيل للقيم الدينية التي يقدسها المسلمون والعودة الى ما جاء به جده خاتم المرسلين محمد صلوات وسلامه عليه وعلى أهل بيته وأصحابه المنتجبين،حيث المودة والتأخي والمحبة والرأفة وليس الإرهاب التكفير والتقتيل تلك الصورة التي رسمها أحفاد “هند” آكلة الأكباد وتواصلت حتى يومنا هذا.

الامام الحسين بن علي بن أمير المؤمنين عليهما السلام أعلن أهداف ثورته منذ اليوم الأول من خروجه من المدينة فعند لقاءه (ع) بمروان وعند محاولة الأخير تحسين صورة أمر بيعة يزيد في عين الامام (ع) أجابه (ع) قائلاً:على الإسلام السلام إذا بليت براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: “الخلافة محرمة على آل أبي سفيان فاذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه وقد رآه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق”.

جاءت مشيئة الباري تعالى في أن يبتلى الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في يوم عاشوراء بمرض أسقطه الجهاد ومقاتلة الأعداء وليبقى رمزاً صادحاً ومنبراً لتوعية الرأي العام الإسلامي وغيره في ذلك الزمان لمعرفة الأسباب الحقيقة التي تكمن في ثورة أبيه الامام الحسين (ع) وما جرى في كربلاء من إراقة الدماء الطاهرة والزكية في حرب ضروس وغير متكافئة تألب عشرات الآلاف من انصار وأعوان الطاغية يزيد  كان الكثير منهم ممن كتب يدعو الامام الحسين (ع) التعجيل بالقدوم الى الكوفة واقامة الصرح الاسلامي الحقيقي واذا بهم ينقضوا عهودهم ويتألبوا على فئة صغيرة جداً لم يتجاوز عددها ال73 مؤمناً، وما دار ودار من مآسي ومصائب واجرام يذكره التأريخ دو استحياء أو خجل.

من هنا انطلقت مسيرة الامام زين العابدين (ع) في توعية الافكار المهجورة والمضللة وبرز بكل قوة على مسرح الحياة الإسلامية كالمع  مفكر وداعية وسياسي إسلامي حيث استطاع بمهارة فائقة أن ينهض بمهام الامامة وإدامة نهضة والده الامام الحسين (ع)، وحقق انتصارات باهرة عبر خطبتيه التي القاهما في مجلس “ابن زياد” بالكوفة وامام الطاغية الفاسق الفاجر شارب الخمر قاتل النفس الزكية “يزيد بن معاوية” في الشام والتي كان لهما الأثر البالغ في إيقاظ الأمة وتحررها من عوامل الخوف والارهاب التكفيري والانحراف والتزييف والاعلام الموهم ليروي للناس كيف أن الحقيقة قتلت عطشى في كر وبلاء  وسلبت وذبحت من الوريد الى الوريد وداست الخيول صدرها بحوافرها لا ذنب لها سوى انها أرادت الإصلاح في أمة الرسول محمد (ص) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أمرنا بذلك الدين الإسلامي الحنيف.

الامام السجاد (ع) كان من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في دنيا الشجاعة والبطولات، وظل يلقي الأضواء على معالم الثورة الحسينية، ويبث موجاتها على امتداد الزمن والتاريخ، رغم كل ما استخدمته بني أمية من أنواع وأكثر الحيل لتضليل الرأي العام بسراب اعلامها وخديعته التي استوحت السذج من المسلمين وكان لابد من إظهار الحقيقة وتبيينها حتى لاولئك الذي تغافلوا عمداً لعدم معرفة أهداف الثورة الحسينية ودوافعها التي جاءت لإحياء الإسلام والسنة النبوية والسيرة العلوية وتوعية المسلمين وكشف الماهية الحقيقية للأمويين وإصلاح المجتمع واستنهاض الأمة لإنهاء استبداد بني أمية وتحرير ارادتها  من حكم القهر والتسلّط وإزالة البدع والانحرافات واقامة الحق وتقوية أهله وتوفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة الصادقة عبر إنشاء مدرسة تربوية رفيعة وإعطاء المجتمع شخصيته ودوره.

نجح الامام السجاد (ع) في ابقاء نهضة عاشوراء الحسين حية ما بقي الدهر وبكلا شقيها “الحق المضيع والجسم المقطع”.. فأما الجسد المقطع فانتهت قضيته في يوم عاشوراء عندما ذبحت الحقيقة وقطعت أوصالها إرباً إربا وان بقي الجانب المأساوي له يلهب القلوب أسفا حتى قيام يوم الدين وتتجدد ذکراه کل عام.. ولکن الحق المضيع هي القضية الأکثر خلودا وبقاءا لأن الأمة ترى في الامام رمزا للمبدأ الحر وروحا لمن ذبح من الوريد الى الوريد مع اهل بيته واصحابه الابرار في سبيل الرسالة المحمدية الاصيلة.. وقدم الغالي والنفيس في سبيل اعلاء کلمة الحق کلمة الإسلام کلمة الله سبحانه وتعالى.. وأضحت مناراً للأحرار والمظلومين في كل مكان ولهذا ترى الشعوب العالمية برمتها وبكل اديانها  أن الامام الحسين عليه السلام منهاجا ثوريا متکاملا.. وسيبقى خالدا ما خلد الدهر.

رسم الامام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام الذي نعيش هذه الأيام ذكرى إستشهاده المؤلم على يد الطاغية الأموي الجبار العنيد الظلوم الغشوم الوليد بن عبد الملك (المسعودي في مروج الذهب: 3/ 96)، القائل: “لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجود في دار الدنيا” (رواه الزهري في كتاب حياة الإمام زين العابدين: 678)؛ معالم مدرسته الاسلامية ونهجه المقاوم للطغاة وفضح الظلم ونبذه والتصدي اليه على ضوء ما قاله والده الامام الحسين (ع) في يوم عاشوراء “هيهات منا الذلة” ولكن بأدعية عالية المضامين تستند كلها لوحي القرآن الحكيم وتعتبر بحق دائرة معارف عليا لجميع المعارف الالهية، ابتداءً من معرفة الله سبحانه وتعالى، وإنتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الإنسان المسلم في التوحيد والعدالة والمساواة كما وردت في “الصحيفة السجادية” في وقت كان العالم الإسلامي يمر بأصعب مراحله وحكم أعتى طغاته من بني أمية المجرمين.

تمكن الامام السجاد (ع) ورغم أنه كان وحيداً وأنصاره لايتجاوزون عدد أصابع اليدين من التصدي بأدعيته وعلمه وفكره وإيمانه وقوته الالهية ورسالته السماوية التي كان يحملها على عاتقه من التصدي لإنحراف الأمة والتصدي لظلم وطغيان وجبروت وفرعنة الحكام والسلاطين وعلماء الزور والتزييف الذين أرادوا بالأمة العودة الى جاهلية قبل الاسلام، ذلك الانحراف الذي تمسك به الأحفاد من الأسلاف ونشهده يعصف ببلاد المسلمين وعبدة الدرهم والدينار يفتون بما لذ وطاب للحاكم والسلطان في قتل وذبح الانسان، وتدمير البلاد، وتمزيق العباد، وحرق الأبيض واليابسة، ونهب ثروات الأمة، وسلب النساء وتدنيس المقدسات، والقتل على الهوية الذي لا يستثني حتى الأطفال، وإيقاع الفتنة الطائفية بفتاوى تكفيرية سعودية – خليجية – صهيونية؛ سعياً للتضليل على نهج أئمة الهدى والرسالة السماوية الخالدة لكن مشيئة الباري تعالى تشدد على إعتلاء كلمة الحق ودحر الظالمين والمشركين والمنافقين على يد المؤمنين وهو وعد صدق جاء في كتابه الحكيم “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33} – سورة التوبة؛ وأن وعد الله لقريب “إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ..”- سورة هود الآية 81 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى