الأمية الوطنية والبناء الديمقراطي

الأمية الوطنية والبناء الديمقراطي

 

مقال : كفاح محمود كريم

 

في معظم دول الشرق الأوسط وغالبية الدول العربية يعاني سكان الريف والقرى وأطراف المدن والبلدات الصغيرة من فرق شاسع في الوعي والثقافة وما يرتبط بهما سياسياً واقتصادياً وحضارياً مقارنة بمراكز المدن الكبيرة رغم التقدم الكبير في التعليم ووسائل الاتصال والتواصل، حيث ما يزال الإرث الاجتماعي المتراكم في هذه المجتمعات متكلساً في السلوك والعادات والتقاليد وخاصة المرتبط منها بالأديان والأعراف، بعيداً كل البعد  عن الحداثة والقوانين المعاصرة، حيث تساهم الأميّة الأبجدية والحضارية مع الموروث في التركيبات الاجتماعية القديمة بشكل كبير على إضعاف مفهوم جامع للمواطنة والانتماء الموحد للوطن، وهذه اشكالية معقدة واجهت وما تزال تواجه عملية التحول الديمقراطي في غالبية هذه البلدان وخاصةً الدول ذات النظم الشمولية في الشرق الأوسط والعالم الثالث عموماً، حيث تسود الأميّة بأشكالها المتنوعة الأبجدية والحضارية والسياسية المستشرية في قطاعات واسعة بين الأهالي في المدن وبشكل أوسع في الأرياف، وهي التي تنتج حينما تجتمع جميعها أمية وطنية، وأعني بذلك الجهالة بالوطن والمواطنة و تقزّيم البلاد واختزالها في قرية أو مدينة أو قبيلة، بسبب التكلس البدوي في الشخصية مع تراكم التخلف الحضاري والتجهيل المتعمد من قبل معظم الأنظمة التي تسلّطت على البلاد، من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح العقول الذي تعرض له المواطن طيلة عشرات السنين خاصةً في الدول الحديثة كالعراق وسوريا منذ قيام كيانيهما السياسيين مطلع القرن الماضي وحتى اليوم حيث تم تقزّيمها في حزب أو عرق أو دين أو مذهب أو دكتاتور.

 

في العراق مثلا كانت هناك محاولات جدية في نهاية سبعينيات القرن الماضي للقضاء على الأميّة الأبجدية حصرياً، لكنها فشلت حالها حال التعليم بشكل عام نتيجة سلسلة الحروب التي شنها النظام على كوردستان وما تبعها بعد ذلك في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات لكي تعقبها حرب الكويت التدميرية وما تلاها من حصار وتحطيم شبه كلي للدولة العراقية، حيث تسببت في انهيار البلاد وتدهور مريع في المستوى المعاشي والتعليمي والتربوي، وبدلا من وضع خطط لمعالجة تلك الانهيارات ذهب النظام الى وضع برنامج منظم ومشدد لعسكرة المجتمع وغسل أدمغة الأهالي وتسطيح عقولهم ووعيهم بتكثيف الولاء للدكتاتور وحزبه وما فعلته أجهزة دعايتهم في تقزّيم المواطنة واختزالها إلى درجة إلغاء مفهوم العراق كوطن للجميع واعتباره قطراً في كيان خيالي وطوباوي، وبناء منظومة سيكولوجية وفكرية لدى الفرد لا تتعدى مجموعة شعارات الحزب ووصايا القائد ومفردات الحرب والعسكرتاريا والعدو المفترض الذي يهدد البلاد ويستهدف العرض والأرض والدين!؟

 

وقد أدّى ذلك إلى تفشي أمية في المفاهيم الوطنية وغياب مفهوم المواطنة الحقة لتكريس مجموعة قيمية ضمن أيديولوجية (الحزب القائد) حيث أغلقت دائرة معلومات الفرد وثقافته وتطلعاته وانتمائه على شخص القائد الضرورة وأيديولوجية الحزب الحاكم الشمولية والمطلقة والتي لا تقبل الآخر المختلف إلا من خلال تبعيته وانقياده كلياً لثقافة القطيع التي كرستها مبادئ ذلك الحزب وسلوكيات رئيسه، مما أدى خلال أكثر من ستين عاما إلى ظهور طبقة واسعة من الأهالي ذات الوعي المسطح والمستكين تماماً والذي تكون على أساس (نفذ ثم ناقش) وساهم في تشويه بناء الشخصية الإنسانية وقتل عنصر المبادرة، وبالتالي عمل على نمو أنماط من السلوكيات والتعقيدات والتناقضات الحادة بين طيات تكوينها النفسي والاجتماعي مثل الانهزامية والتملق والسذاجة وفقدان الثقة والتردد والقسوة والأمعية وثقافة الاستكانة والانقياد وغياب الرأي والتفكير.

 

إن ما يواجه العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ومن ماثلهم في التكوين السياسي والاجتماعي اليوم ليس إرهاباً منظماً وتدخلات مخابراتية وسياسية أجنبية بل هو هذه الحاضنات الأمية المسطحة التي أصبحت بيئة صالحة لانتشار العصابات والميليشيات وأفواج من الفاسدين والإرهابيين والقتلة وتجار السياسة والمخدرات، تحت خيمة الولاء الديني والمذهبي والعنصري خارج أي مفهوم للانتماء الوطني الجامع في بلدان تعج فيها المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية ويغيب عنها اي مفهوم للمواطنة الجامعة.

 

اعلن على موقع بصراوي

عن كفاح محمود كريم

شاهد أيضاً

الثورات الملونة حرية  أمريكية برائحة الدم

الثورات الملونة حرية  أمريكية برائحة الدم محمد عبد الكريم يوسف لعبت الثورات الملونة على مر التاريخ،  دورا هاما في إحداث التغييرالاجتماعي والسياسي في جميع أنحاء العالم. و أحد أنواع الثوراتالتي اكتسبت الاهتمام في العقود الأخيرة هي الظاهرة المعروفة باسمالثورات الملونة. وقد لعبت هذه الانتفاضات اللاعنفية، والتي تتميز عادةباستخدامها للاحتجاجات السلمية والعصيان المدني، دورا فعالا فيإسقاط الأنظمة القائمة وتعزيز الإصلاحات الديمقراطية في بعضالبلدان.   تشمل أمثلة الثورات الملونة الثورة الوردية في جورجيا عام ، والثورةالبرتقالية في أوكرانيا عام التي حدثت عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠٤  . وقد أثارنجاح الثورات الملونة مناقشات بين العلماء وصناع السياسات حول مدىفعاليتها وشرعيتها. والتأثير المحتمل على السياسة العالمية. ويرى البعضأن هذه الثورات أحدثت تغييرات إيجابية من خلال تعزيز الديمقراطيةوحقوق الإنسان والحكم الرشيد في الدول الاستبدادية. ومع ذلك، أعربآخرون عن مخاوفهم بشأن دور الجهات الخارجية، مثل الحكوماتالأجنبية والمنظمات غير الحكومية، في التأثير على هذه الحركات ودعمها. ومن خلال دراسة الحالة الخاصة بالثورات الملونة والأدبيات العلمية حولهذا الموضوع، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل ديناميكيات هذه الانتفاضاتوآثارها على مستقبل السياسة العالمية. يشير مصطلح “الثورات الملونة” إلى سلسلة من الانتفاضات الشعبيةالتي شهدتها بلدان مختلفة حول العالم خلال العقود القليلة الماضية. وتتميز هذه الثورات بطبيعتها اللاعنفية واستخدام الاحتجاجات السلميةوالعصيان المدني وغيرها من أشكال التعبئة الجماهيرية لتحقيق التغييرالسياسي. وقد شاع مصطلح “الثورات الملونة” بين وسائل الإعلاموالمحللين السياسيين لوصف هذه الحركات، التي غالبا ما تستخدم لونامحددا كرمز لأهدافها وغاياتها. وعادة ما تشتعل شرارة هذه الثوراتنتيجة لعدم الرضا على نطاق واسع عن الفساد الحكومي، أو الحكمالاستبدادي، أو تزوير الانتخابات، أو انتهاكات حقوق الإنسان. غالبا ماتبدأ كاحتجاجات صغيرة النطاق، ولكنها سرعان ما تتصاعد إلى حركاتأكبر وأكثر تنظيما تجتذب شريحة واسعة من المجتمع، بما في ذلكالطلاب والمثقفين والعمال والمهنيين من الطبقة المتوسطة. وقد لعباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال التكنولوجيادورا حاسما في نجاح هذه الحركات، مما سمح بالتواصل السريعوالتنسيق وتعبئة المؤيدين.  ومن أشهر الأمثلة على الثورات الملونة “الثورة الوردية” في جورجيا عام٢٠٠٣، و”الثورة البرتقالية” في أوكرانيا عام ٢٠٠٤، و”الثورة الخضراء” في إيران عام ٢٠٠٩. وأدت هذه الثورات إلى تغييرات سياسية كبيرة. فيكل بلد، بدءاً من الإطاحة بالقادة السياسيين إلى إجراء انتخابات حرةونزيهة. وفي حين لم تكن كل الثورات الملونة ناجحة في تحقيق أهدافهاالمعلنة، إلا أنها كانت بمثابة تذكير قوي بإمكانية الحركات الشعبيةالسلمية لإحداث التغيير حتى في البيئات السياسية الأكثر قمعية. –  ماهية الثورات الملونة وأهميتها في التاريخ السياسي الحديث. الثورات الملونة هي سلسلة من الانتفاضات اللاعنفية التي حدثت فيبلدان مختلفة حول العالم، وتتميز باستخدام لون معين كرمز للحركة. وقدلعبت هذه الثورات دورا هاما في تشكيل التاريخ السياسي الحديث منخلال إظهار قوة الاحتجاج السلمي والعصيان المدني في إحداث التغييرالديمقراطي.  اكتسب مفهوم الثورات الملونة مكانة بارزة لأول مرة في أوائل العقد الأولمن القرن الحادي والعشرين، وكانت الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام٢٠٠٤ واحدة من أبرز الأمثلة. وكان المقصود من استخدام اللونالبرتقالي كرمز للحركة إيصال رسالة الوحدة والأمل، حيث خرج آلافالأوكرانيين إلى الشوارع للمطالبة بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. وكاننجاح الثورة البرتقالية في إلغاء نتائج الانتخابات  والبدء بعصر جديد منالديمقراطية سببا في إلهام حركات مماثلة في دول مثل جورجيا،وقيرغيزستان، وأرمينيا. وقد أظهرت الثورات الملونة أهميتها في التاريخالسياسي الحديث لأنها أظهرت أن التغيير يمكن تحقيقه من خلالالوسائل السلمية، دون اللجوء إلى العنف أو الصراع المسلح. ومن خلالحشد الاحتجاجات الجماهيرية والعصيان المدني، تمكنت هذه الحركاتمن تحدي الأنظمة القائمة، والمطالبة بإصلاحات سياسية، ومحاسبةالحكومات على أفعالها. ومن خلال قيامها بذلك، أظهرت قوة النشاطالشعبي في تشكيل مسار المستقبل السياسي للأمة. في عالم تشيع فيهالاضطرابات السياسية والاضطرابات، تعد الثورات الملونة مثالا  لكيفيةاجتماع المواطنين العاديين لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم. ومنخلال تسخير قوة العمل الجماعي والمقاومة اللاعنفية، حققت هذهالحركات إصلاحات دائمة ومهدت الطريق لمزيد من الحريات السياسيةوحقوق الإنسان. وعلى هذا النحو، تقف الثورات الملونة بمثابة شهادة علىروح الديمقراطية الدائمة وقدرة الروح الإنسانية على الصمود في مواجهةالشدائد. أمثلة على الثورات الملونة:  كانت هناك أمثلة عديدة للثورات الملونة عبر التاريخ والتي شكلت المشهدالسياسي للبلدان في جميع أنحاء العالم. ومن بين الأمثلة الأكثر شهرةالثورة البرتقالية التي اندلعت في أوكرانيا في عام ٢٠٠٤. ففي أعقابالانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، نزل الآلاف من الأوكرانيين إلىالشوارع للاحتجاج على النتائج والمطالبة بإعادة التصويت. وأدتالاحتجاجات السلمية في نهاية المطاف إلى إلغاء نتائج الانتخاباتوانتخاب رئيس جديد.  ومن الأمثلة البارزة الأخرى الثورة الوردية في جورجيا في عام ٢٠٠٣. فبعد انتشار الاتهامات بتزوير الناخبين في الانتخابات البرلمانية، احتشدالجورجيون في احتجاجات سلمية أدت في النهاية إلى استقالة الرئيسوانتخاب حكومة جديدة ملتزمة بالإصلاح الديمقراطي. تعتبر الثورةالمخملية في تشيكوسلوفاكيا عام ١٩٨٩ مثالاً آخر على الثورة الملونةالناجحة. أدت الاحتجاجات والإضرابات الجماهيرية إلى انهيار الحكومةالشيوعية والانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي. تسلط هذه الأمثلة الضوءعلى قوة الاحتجاج اللاعنفي والحركات الشعبية في إحداث التغييرالسياسي. ومن خلال تعبئة المواطنين والمطالبة بالمساءلة من حكوماتهم،أظهرت الثورات الملونة أن التغيير ممكن حتى في مواجهة الأنظمةالاستبدادية الراسخة.  – الثورة البرتقالية في أوكرانيا (٢٠٠٤) …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *