الشخصية المجردة والموصوفة في مسرحيات عمار سيف

الشخصية المجردة والموصوفة في مسرحيات عمار سيف

الدكتور خالد حوير الشمس/ ناقد وأكاديمي عراقي


عمار سيف كاتب مسرحي، اختص بالكتابة للطفل، من الناصرية، له حضور فاعل في النشاطات الأدبية المحلية، وله عدد من المسرحيات المكتوبة للطفل، ومنها: مسرحية التخمة، ومسرحية الفتى والصورة، ومسرحية الأمير الطباخ، ومسرحية اندثار الطمع، ومسرحية بقعة ضوء، ومسرحية حلم الأمير، ومسرحية عندما يغني الكلب، ومسرحية المهرج الحزين، ومسرحية طريق المدرسة.
أرى أنه مهتم بكتابته السردية، عبر منفذ التواصل، وترشيق العبارة، وسلاسة اللغة، ودقة التعبير، وتقنية الحوار، واستدعاء الشخصيات في سرده القصصي، فكانت شخصياتٍ مباشرة في طابعها ، انسجاما مع مرحلية التلقي ، المخصوصة بالطفل، ليجعل الطفل في بوتقة التفسير، والفهم، والتماهي مع النص المسرحي، وليبعده عن الكد الذهني، والإغراق في التعمية، والرمزية.
برزت سمة مهمة في شخصياته المسرحية، هي سمة الهيمنة لنوع محدد من الشخصيات، وهي حضور الحيوان بوصفه سمة غالبة في الشخصية، لذا سأقف على تلك الشخصيات، ومساحات موضوعاتها، ودلالاتها.
وقبل أن أتحدث عن شخصياته، أعرض باختصار حضور الحيوان في الأدب العربي، والعالمي، فقد وردت كتابات مهمة، أخذت حيزا في التلقي العربي، ومنها كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع الذي ترجم عن الفارسية، فقد جاءت القصص بأسلوب الحكاية على ألسنة الحيوان، بأسلوب أسطوري.
ثم حضور الأنسنة للحيوان في الأدب العالمي بكثرة، فقد أنسن تولستوي الحصان وأعطاه صفات بشرية في سرديته العظيمة (حصان بوجه بشري) وكيف أن قط «بغموت» في رواية (المعلم ومارغريتا) لميخائيل بولغاكوف، كان من أكثر القطط سحراً في الأدب الروسي، وهناك قط الكسندر بوشكين في مقدمة قصيدته (روسلان ولودميلا).
أنواع الشخصيات عند عمار سيف
رصدت نوعين من شخصياته المباشرة، التي تحيل على الحيوان، أولها الشخصية المجردة، وثانيها الشخصية الموصوفة.
وأعني بالمجردة ورودها بصورة مفردة في مسرحياته التي تخص الطفل، ومن ذلك شخصية الكلب، والقطة، والبطة، والخروف، الأرنب، العصفور. أما الشخصية الموصوفة: وتعني المقيدة بالوصف الإنساني، لتكون قناعا لذلك الوصف، ومنها شخصية الحمار القاضي، والدجاجة المحامي، والثور المستشار، والديك المنادي، والعفريت الأول ، والعفريت الثاني، وكلب أسود.
سمات الشخصيتين المجردة، والموصوفة:
جاءت بعض الشخصيات المجردة منفردة، وبعضها مكررة، ومن ذلك شخصية الديك، والسنجاب، والأسد، والقنفذ، وغيره. بينما انمازت بعض الشخصيات بالتكرار، نحو: القطة جاءت مرتين، في مسرحية (عندما يغني الكلب)، وفي مسرحية (الطاووس) والعصفور أيضا في مسرحية (الأرنب والشتاء)، وفي مسرحية (الطاووس)، ووردت شخصية البطة مرتين أيضا، في مسرحية (عندما يغني الكلب)، وفي مسرحية (الطاووس).
وانمازت الشخصية الموصوفة بأنها منفردة غير مكررة، ومنها كلب أسود، والديك المنادي، والعفريت الأول، والعفريت الثاني.
الأنسنة، من أهم سمات هذه الشخصيات، إذ يجعلها تتحدث، وتتحاور، وتتضجر، ولها جدال، وصراع مع قريناتها، فقد نسب إلى الحمار الألم، والاعتراض على عيشة الغابة في قصة (الربيع المختلف)، التي تصور حياة الغابة، وقلقلها، حتى كان منظرها متنوعا، لكنه مملا، فيقول على لسان الحمار: ((( ضجرا ) أية عيشة هذه ، لم اعد اطيق الحياة ، لا أنا ولا حتى جسدي ..إل متى على هذه الحالة ؟ إنه الموت البطيء)). وتستمر الصفات الإنسانية على لسان الحيوان، ومنها صفة السخرية، والاعتذار في حواراه المتوالي مع الشخصيات الحيوانية الأخرى، نحو: الدجاجة وغيرها: ((الدجاجة : لمّ كل هذا الضجر يا عزيزي الحمار؟
الحمار : لمّ كل هذ الضجر، يا له من سؤال بليد حقا .!
الدجاجة : لمّ ترى سؤالي بليدا ؟
الحمار : ( بسخرية منتقلا لمقدمة يسار المسرح ) لا لشيء، فقط لأنني بطران .
الدجاجة : اعتقد أنك ذلك يا صديقي ، وإلا لم اجد أي داعِ لضجرك وحزنك .
الحمار : ( مع نفسه ) الذنب ليس ذنبك
الدجاجة : ما بك تتحدث مع نفسك مثل شخص قد مسه نوع من الجنون؟
الحمار : اوووه .. انا اعتذر سيدتي .. ممكن ان تتركيني بحالي )).
وتوجد سمة الإقناع، والحجة، عبر تقنية الحوار، والتمثيل الدرامي بين هذه الشخصيات، فيتضح ذلك في مسرحية (الربيع المختلف)، إذ يقنع جمهور الحيوانات تالدجاجة الوديعة بتردي الحال العام في الغابة، بعد إن كانت تنظر إلى الحياة بعين مترفة، مع مفارقة أنها جائعة، وغير مستوفية شروط العيش الرغيد، التي تحتج بها الحيوانات الأخرى عليها، والتي تسكن الغابة نفسها، فبطريقة حوارية طويلة: ((
الديك : بالتأكيد يا حبيبتي ما نعانيه لم يعاني منه احد من قبل .
الدجاجة : لا بد أنني احلم ، وعليَّ أن استيقظ قبل فوات الأوان . منْ ماذا تعانون ؟
أرجوكم أن تخبروني ، وان تشركوني معكم في آلامكم .
الديك : كل هذه الالام وأنتِ لا تزالين تسالين..!
الدجاجة : عن أي الالام تتحدثون ..!
الديك : ما بك يا حبيبتي ، انظري من حولك جيدا ، تمعني جيدا في مزرعتنا وقارني
بينها وبين المزارع التي من حولنا.
الدجاجة : ماذا ينقص مزعتنا ؟ وماذا فيها المزارع التي حولنا ، الكل ينعم بالهواء النقي
والخضرة والماء مثلنا . ما هذا الذي ينقصنا والموجود في المزارع التي
حولنا ؟
الحمار : ( ساخرا ) كل شيء إلا ذكائك وفطنتك..!
الدجاجة : ها أنتَ تسخرُ مني ثانية يا حمار .
الحمار : لقد ناديت على الديك لكي يشرح لك قليلا من حالنا .
الدجاجة : ووو..ماذا به حالنا ؟! وهل أنا غبية إلى هذه الدرجة لكي تنادي على زوجي
لأفهامي؟
الحمار : عفوا، انا اقصد …
الدجاجة : ( تقاطعه ) ماذا تقصد…؟
البقرة : ( متدخلة ) يقصد… يشرح لك ما نعاني منه.
الثور : عله يُفهمكِ ما عجزنا عنه.
الدجاجة : ومن ماذا تعانون ..!
الحمار : يا ديك.. اخبر هذه المخلوقة عن سبب اوجاعنا وغضبنا ، فانتَ على الأقل
تمتلك عقل كبير.. )).
وتوجد السمة النقدية، عبر الرمزية ، والمضمرات في الشخصيات أيضا، ويمكن تسمية التورية في أدبه المسرحي بأنها التورية النصية الكلية، إذ تشير كل واقعة مسرحية عنده إلى عوالم الإنسان، عبر مناقشة الواقع الإنساني بعيدا عن التورية في الجمل بل في المعنى الذهني للنص، إذ يحيل عمار سيف نحو الواقع الذي تعيشه بيئة الكاتب السياسية، والاجتماعية، فيكون خطابه المسرحي خطابا نقديا ضد السلطة العالقة على أنف الشعب، فيزرع في الطفل حب الاعتراض على السلطة عبر منفذ الحجاج، والحوار، والاعتراض، فلم تقدم الحيوانات أي عطاء للفلاح الذي يرمز إلى السلطان الجائر، الغارق بالوهم،
صوت : عندما اشرقت شمس اليوم التالي ، ظل صاحب المزرعة نائما مستغرقا في
نوم عميق ، وعندما استيقظ وجد ان الوقت قد تأخر كثيرا ، فغادر فراشه
مسرعا ، وهو ينظر من النافذة ناحية مكان الديك الذي يقف بالمزرعة مع
باقي الحيوانات
الفلاح : ( مع نفسه ) لماذا لم يصيح الديك هذا الصباح ؟ أتمنى أن لا يكون مريضا ..كي
لا اضطر لاصطحابه الى الطبيب ، وهذا ما سوفَ يكلفني الكثير من المال
( صارخا ) لماذا لم تصيح أيها الديك ؟سوف أعطيك درسا قاسيا حتى لا تهمل
عملك مرة أخرى .. ولكن بعد أن أتناول فطوري.. ( يدخل الى المسرح غاضبا )
لما لا ..تتكلم ..هل بلعت لسانك؟
الديك : ( بلا مبالاة ) أنا مريض ..!
الفلاح : مريض؟
الديك : نعم ، فأنا جائع ولا اقوى على الصراخ .
الفلاح : هذه لغة جديدة ..لم اسمع بها من قبل؟
الديك : لأنك لا تشعر بالأخريين ..” تأخذ فقط ولا تعطي”
الفلاح : سأعود لك بعد ان انهي عملي. ( يقترب من البقرة محاولا حلبها ) وأنتِ أتمنى
آن يكون حليبكِ هذا الصباح .. مدرارا
البقرة : وكيف يكون مدرارا وطعامك لا يصل إلى معدتي ويظل عالقا في أول ضرس
يلتقيه..
الفلاح : آها .. ولماذا لا تقولي ان الخبث بدأ يتسرب إلى دمك ( يحاول حلبها دون جدوى
يصرخ بغضب ) أصبحت فجأة ناكرة للجميل . انني أقدم لكم الطعام كل يوم
بهاتين اليدين . ولو كانتا تتكلمان لشهدتا ضد ظلمكم لي ونكرانكم لجميلي.
( فترة تخيم على الجميع ، يستغلها الفلاح للتقرب من الحمار) ) ماذا تقول يا
حماري الجميل ؟))
الرهان في مسرحيات عمار سيف:
يراهن على إيجاد أدب مسرحي نابض بالتحدي، لصناعة عقل عربي حائد عن الخذلان، ومتجه نحو فلسفة الرفض الاجتماعي، والسلطوي، وجاء ذلك بلغة حوار، وحجاج، وفي حال عدم نفعهما سيلجأ الفرد العراقي إلى التمرد. إذ هو يعرض تفوق، وانتصار الخير على الشر، أي نجاح الحيوانات في مهمتها الثورية، وحصولها على مرادها بطريقة التمرد، والرفض، واللجوء إلى القانون، فتساعد الشخصيات المجردة، والشخصيات الموصوفة على صياغة المشهد المسرحي المكتوب للطفل، مرهون بالطابع الأدائي على خشبة المسرح.

اعلن على موقع بصراوي

عن محمد حسين

محمد حسين العبوسي رئيس منظمة الشباب العربي ومدافع عن حقوق الانسان

شاهد أيضاً

الدكتور عباس خلف التميمي: قائدٌ رائد في تطوير الرعاية الصحية بالبصرة

الدكتور عباس خلف التميمي: رائد التحسين الصحي وقائد الرعاية الصحية في البصرة المدير العام لصحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *