2- الخط المغربي الصحراوي +
2- الخط المغربي الصحراوي

الخط المغربي الصحراوي مكون حضاري في الثقافة المغربية

مقال : الدكتور محمد البندوري

الخط المغربي الصحراوي: هو خط مغربي نشأ بالموازاة مع الأنواع الخطية المغربية الأخرى وجاورها في التكوين والتطور وإرساء الشكل المتعارف عليه الآن.

  فمع انتشار عملية الكتابة في جميع أنحاء المغرب ومع توفر كم هائل من الإنتاج الأدبي والشعري اقترانا بالتطور الحضاري المغربي في كل مرحلة من مراحل تاريخه العريق، ومع كثرة المراسلات امتلأ مجال الكتابة اليومية بالخطوط المغربية المتنوعة الرديئة منها والجيدة. فكان للمثقف المغربي دور بالغ الأهمية في التمييز بين مختلف الكتابات من حيث الجودة والاهتمام بالخط المغربي والعناية بتنوعه لأنه هو المكون الأساسي في استنساخ أمهات الكتب ودعم القراءة والخزانات المغربية.

ولما هيمن عنصر السرعة على الكتابة تبعا للرغبة في الحصول على الإنتاجات الدينية والأدبية والحصول على مختلف الوثائق خصوصا في فترات متلاحقة من تاريخ المغرب المجيد أصبح للخط المغربي عموما غاية من الرغبة في الإتقان والرغبة الملحة في الإجادة وذلك تبعا لِما استدعته حالة الخط والكتابة في كل أنحاء المغرب، وأصبح الخطاط المغربي مسؤولا عن عنصر الجودة في الخط، وعليه أن يبذل كل ما في وسعه لتجويد الخط المغربي وتجمـيله. لكن هذا الاهتمام سرعان ما تطور لينتج فروعا من الخط المغربي خاصة وأن كل منطقة من المناطق المغربية كانت تتمتع بخصوصيات محلية مما أسهم بشكل مباشر في تنوع الخط المغربي من كوفي مغربي الى مبسوط الى مجوهر الى مسند الى صحراوي إلى ثلث مغربي.. فاهتمام المثقف المغربي والخطاط المغربي بجمالية الخط المغربي وتفاعله مع التراث المغربي في شموليته أنتج عددا من الأنواع الخطية المغربية ومنها الخط المغربي الصحراوي.

   وقد تشكل الخط المغربي الصحراوي في جنوب المغرب إلى جانب الخطوط المغربية الأخرى ” ونسمع عن الخط الصحراوي المعمول به في الصحراء، فكل منطقة إن لم نقل كل ناسخ بإمكانه أن يحدث ضربا جديدا منحدرا من الخط الوطني المغربي. فما زالت توجد الكثير من المخطوطات التي كتبت بهذه الخطوط المختلفة.”[1] ” فقد ” تفنن الخطاطون والنساخ المغاربة في استعمال مجموعة متنوعة من الخطوط ابتداءً من الكوفي المغربي، ثم الثلث المغربي، فالمبسوط أو المستقيم والمجوهر، ثم الزمامي أو المسند، ووصولا إلى الخط المدمج. والأكثر من ذلك أن كل مدينة وكل منطقة اختصت بنوع معين من الخط يميزها عن باقي المدن والمناطق، وهكذا نجد ما يطلق عليه بالخط الفاسي والخط السوسي والخط الدرعي والخط الصحراوي والخط الفيلالي.”[2]

  ويشكل الخط المغربي الصحراوي أحد أهم المجالات الفنية في الثقافة المغربية، وأحد أهم الخطوط الوطنية التي تشكلت في التراث المغربي. وقد اتسم بجماليته المغربية في النصوص الأدبية وفي أشكال فنية متحت من الثقافة المغربية كل مكوناتها الأساسية. وقد برعت بعض المناطق في الصحراء المغربية بخطها المغربي البيضاني المرتبط بالمناطق التي تتكلم الحسانية، وهو خط يتميز بصغر حروفه وبكثرة المنحنيات خاصة في الباء والتاء والثاء حيث يتجهون في رسمها نحو الأعلى.

   لقد تمت صياغة الأشكال الجمالية للخط المغربي الصحراوي في نطاق فني ومعرفي، وفي نطاق ما اقتضته كل مرحلة تاريخية من مقومات حضارية عكست بشكل جلي محاسن


[1] تاريخ خزائن الكتب بالمغرب، أحمد شوقي بنبين، ص 231

[2] تميز التراث المغربي، لحسن تاوشيخت، ميثاق الرابطة، ص3

هذا الخط وما يوحي به من دلالات عميقة فكريا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، حيث شكل رمزا للوحدة الثقافية والسياسية المغربية باعتباره مكونا أساسيا في الثقافة المغربية، مثله مثل سائر الأنواع الخطية المغربية الأخرى.

   وقد تنوعت الجماليات في الخط المغربي الصحراوي وفق ما يتوفر عليه من مفردات فنية وما يكتسبه من تداخل بينه وبين الأنواع الخطية المغربية الأخرى، فاعتمد على الإيحاء والرمزية والتجريد وعلى الإيقاع كما اعتمد الأشكال الفنية في صيغ متنوعة.

  إن من مميزات الخط المغربي الصحراوي جمالياته المتنوعة بتنوع سمكه وأشكاله. وهو “يتموقع بين الخط المغربي المبسوط والخط المغربي المجوهر”،[1] وقد كتب بسمك غليظ وباستدارات حروف النون والياء، يحاكي الخط الفاسي[2]؛ وسمك متوسط وسمك أقل من المتوسط وذلك تبعا لخصوصية الأقلام المغربية الصحراوية التي تنوعت وتشكلت في هياكل هندسية قادرة على تشبيع الحروف بإمكانات فنية هائلة، ولذلك سار الخط المغربي الصحراوي في مسلك فني يؤدي أدوارا جمالية ونفعية.       وإذا كان الدافع هو تخليد العلم والمعرفة والحفاظ على التراث المغربي، فإن نظرات الخطاطين وطموحهم إلى التجميل والتزيين والتنميق قد حذا بهم إلى إنتاج هذا الخط المغربي العريق والذي كان متداخلا مع الأنواع الخطية المغربية الأخرى وفق ما اقتضته كل مرحلة تاريخية مغربية من تجميل وتنميق وتحسين. فقد ألفوا في صور الحروف المغربية الصحراوية


[1]  جماليات الخط المغربي في التراث المغربي – دراسة سيميائية، محمد البندوري، ص 207

[2]  الخط الفاسي هو الذي عرف في مدينة فاس (المغرب) ويمتاز باستدارات في حروف النون والياء الأخيرة والواوات واللامات والصاد والجيم ويتميز عن الخط القيرواني بالنقط الموضوعة على جميع الحروف النهائية. معجم مصطلحات الخط والخطاطين، عفيف بهنسي، ص 115

كما هو الشأن بالنسبة للشيخ ماء العينين،[1] ” ومن أسماء تآليفه التي ذكرها ابن العتيق عن العالمين محمد العاقب والشيخ امربيه ربه من بينها منظومة في صورة الحروف الهجائية.[2]

   ولا شك أن طغيان الأهمية النفعـية للخـط المغربي عموما قد اقتضت فعل التجميل، فألفوا منظومات كمنظومة الرفاعي، ومنظومة الشيخ ماء العينين تبعا لفعل التطور وما اقتضته المجالات الفنية المغربية عامة من بعد جمالي لتتطور الأنواع الخطية المغربية برمتها ومنها الخط المغربي الصحراوي إلى الصورة الجمالية الصرفة التي يتولد معها الطابع الخاص للخط المغربي في كل نوع من أنواعه، ومنها الخط المغربي الصحراوي الذي تولد من المبسوط والمجوهر والمسند عبر مراحل تاريخية من تاريخ المغرب العريق.

  وفي ذلك اجتهد الخطاطون المغاربة العرب والأمازيغ والصحراويون في الكيفية التي يجب أن يكون عليها الخط المغربي، والوسائل التي تقوده نحو التجويد، فرسموا على مر تاريخهم العريق المعالم الجمالية والطابع المغربي الخاص الذي عرفت به الأنواع الخطية المغربية عامة.   لقد أكثر المغاربة قاطبة من اهتمامهم بالبعد الجمالي للخط المغربي، ولم يخفوا ذلك بل جسدوه في خطوطهم العجيبة وزخارفهم المتفردة. حتى إنهم غالوا في التجويد والتنميق والتزيين على مختلف الخامات في الورق وفي الرق وفي الجبص والسكة النقدية.. وتخيروا من الأحبار أجودها رغبة في استجادة الخط واستحسانه. وكل ذلك من فرط عنايتهم بجودته في كل المراحل التاريخية المغربية.


[1] محمد المصطفى الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين، وأمه من بنت المعلوم من أسرة علم واحترام. ولد الشيخ ماء العينين في السابع والعشرين من شهر شعبان الأبرك عام ستة وأربعين بعد المائتين والألف، سماه والده محمد المصطفى على شيخه ولقبه بماء العينين. توفي رحمه الله في منتصف ليلة الثلاثاء الحادية والعشرين من شوال عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف بتزنيت. كتاب الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، شبيهنا حمداتي ماء العينين، ص 20

[2]   نفسه، ص29.

  وتذكر المصادر القديمة أن الخطاطين المغاربة قد عنوا بكل نوع من الخط على حدة، وشكل الخط المغربي الصحراوي لبنة أساسية في بعث عنصر الجودة بالصيغ الجمالية المغربية الصرفة، فكان حضور البعـد الجمالي قويا في المنظومة الخطية المغربية.

  إن مختلف العلاقات التداخلية بين الأنواع الخطية المغربية أثرت بشكل مباشر في صناعة الجمال في الخط المغربي الصحراوي وفي الأنواع المغربية الأخرى وأثرت على الذوق وتطويع المواهب لإنجاز مختلف الجماليات المغربية الصحراوية والأمازيغية والعربية في مختلف الإنتاجات الخطية. خاصة وأنها ظلت منذ القديم تشكل وحدة خطية في الخزانات المغربية في الشمال والجنوب ” ومن المكاتب الضخمة مكتبة الشيخ ماء العينين بن مامين القلقمي الصحراوي دفين تزنيت، فإنها مكتبة عظيمة، لا تقل عن مكتبة تيمكيدشت لما لمؤسسها الشيخ المذكور من صيت عظيم في الآفاق المغربية.. وهو أشهر من أن أعرف به هو وأولاده، وناهيك بمن حكمه أهل سوس.. وهو ولده المولى أحمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين، وقد اطلعت على معظم خزانتهم هذه ورأيت فيها من الخطوط الصحراوية والشنكيطية والسوسية والسودانية والفاسية والمكناسية والتونسية والمصرية والمشرقية ما عز وجوده ونظيره. وكلها من هدايا سلاطين المغرب”[1]

  إن تواجد الأنواع الخطية المغربية متجاورة في كل الخزانات المغربية، ومن بينها الخط المغربي الصحراوي هو دليل على التداخل الكبير بين كل تلك الأنواع الخطية المغربية التي تغذي الوحدة الخطية المغربية عامة بالمنحى الجمالي الموحد في أصله والمتنوع في أبعاده، حيث تشبعت به الحروف المغربية ومنها الصحراوية منذ البدايات الأولى في نطاق هذا التداخل والوحدة الخطية حتى استوفى البعد الفني المغربي كل مقوماته، وهي وحدة تماثل “التوحيد الواقعي والاجتماعي الناتج عن المذهب المالكي الموحد من شمال المغرب إلى جنوبه، وذلك منذ القر ن العاشر الميلادي.”[2]


[1] المعسول، المختار السوسي، ج3 ص 357

[2] جهود علماء القرويين في خدمة المذهب المالكي، الأصالة والامتداد، ص 131.

   لقد أضحت عمليات الكتابة تتبدى في رسوم متنوعة تروم أساليب تشكيل الحروف وتمثيليتها لمضامين متنوعة تزين المخطوطات المغربية في كل ربوع الوطن. وهي غالبا ما تتوافق مع مرامي الخط المغربي الثقافية والعلمية ورسالته الحضارية، ومع المفاهيم والصيغ الحضارية الجديدة ومع الخطاب الجمالي المغربي حتى جعلت من الخط المغربي الصحراوي دليلا على الوحدة المغربية ونورا للمعرفة وسبيلا للإبداع والابتكار.

  وظلت الصحراء المغربية منذ القدم تشكل معبرا للتواصل الثقافي والديني بين إفريقيا والمغرب، فكان التداخل الثقافي باديا يتأثر مباشرة بما تحمله الرحلات العلمية التي تعبر الصحراء المغربيةوتحط بها الرحال لتبادل المعارف بين العلماء وتبادل الكتب والمؤلفات التي تميزت بحسن أدبها خاصة الكتب الدينية والملفات في مدح خير البرية. يقول الشيخ ماء العينين[1]:” فعلى الناس كلهم ولا سيما العلماء والأشياخ أن يتأدبوا مع النبي صلى الله عليه وسلم باقتفاء أثره فهو واجب عليهم، وعليهم أن يقدموه على غيره، وحثوا على ذلك أتباعهم.”[2]وقد كان للزوايا دور كبير في الإسهام الروحي والثقافي والمعرفي حيث كانت دورا للعلوم ونشر الثقافة ومحطات لتبادل المعرفة. بل كانت محطات للتأليف وخزانات لطالبي العلم يفد إليها طلاب المعرفة من كل حدب وصوب. وقد عرفت جميعها فترات مزدهرة وحركات فكرية وثقافية مشعة.    وتجدر الإشارة إلى أن مختلف الزوايا في الصحراء المغربية[3] قد لعبت أدوارا رئيسية في بعث هذا الخط عن طريق مجموعة من الممارسات الأدبية والدينية التي كان للخط المغربي


[1]  محمد المصطفى الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين، وأمه من بنت المعلوم من أسرة علم واحترام. ولد الشيخ ماء العينين في السابع والعشرين من شهر شعبان الأبرك عام ستة وأربعين بعد المائتين والألف، سماه والده محمد المصطفى على شيخه ولقبه بماء العينين. توفي رحمه الله في منتصف ليلة الثلاثاء الحادية والعشرين من شوال عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف بتزنيت. كتاب الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، شبيهنا حمداتي ماء العينين، ص 20.

[2]  نعت البدايات وتوصيف النهايات، الشيخ ماء العينين، ص 128

[3] زاوية الشيخ سيدي أحمد الركيبي ” مول الحبشي” مثلا، التي تبعد عن مدينة السمارة بحوالي 120 كلم مرورا بوادي الساقية الحمراء. وزاوية الشيخ ماء العينين بمدينة السمارة، وفي ورش بنائها وصلت إليها المواد الضرورية عن طريق البحر إلى شواطئ طرفاية على متن باخرة تابعة للبحرية السلطانية للسلطان المولى عبد العزيز، وعلى متنها أربعة من البنائين المختصين ينتمون إلى مدن مراكش وفاس وطنجة وتطوان. وبعد سنة التحق بهم البناء الخامس من مدينة وجدة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تلك الوحدة السياسية والثقافية للمغرب. وزاوية الشيخ أحمد موسى على ضفتي الساقية الحمراء بين العيون والسمارة. وزاوية الشيخ سيدي أحمد العروسي على وادي الساقية الحمراء. وزاوية أولاد تيدرارن وغيرها من الزوايا التي نشطت في الصحراء المغربية وكان لها أثر في تعليم الخط وتعليم القيم الدينية.

الصحراوي دور فعال في تأطيرها فنيا وجماليا كما هو الشأن بالنسبة للنعاليات أو في بعض النصوص الأدبية، والأشعار التي كانت تحتوي على رسائل تترجم الثقافة السائدة في المجتمع.

   كما اهتمت هذه الزوايا في الصحراء المغربية بتعليم الخط بالموازاة مع تعليم القيم الدينية وغيرها من العلوم. فظلت تلك الزوايا قائمة بتعليم الخط وتعليم الكتابة وأسهمت بشكل كبير في كل عمليات التطور التي عرفها الخط المغربي الصحراوي. وظلت تمارس عملها كما هو الشأن بالنسبة لكل الزوايا بمختلف المناطق المغربية. وفي نطاق العمل الوحدوي المغربي فقد كان ” يتوافد على زوايا بني النعمان المشهورة بالمدرسة النعمانية بسوس طلبة صحراويون يتابعون دروسهم من الابتدائي على العالي في الفنون كلها.”[1]

  وبكل ذلك يعتبر الخط المغربي الصحراوي جزءا من الكيان الحضاري المغربي وأحد مكوناته الأساسية، باعتبار أن كل منطقة قد تخصصت في خط معين يتلاءم وخصوصياتها التي تتلاءم وطبيعتها الحضارية وأساليبها في الكتابة. فعبر تاريخ المغرب العريق ظهر الخط الفاسي والخط المراكشي والخط الإشبيلي والخط القرطبي والخط السوسي قبل أن تتسع الدائرة وينضج الوعي ليشكل الأنــــــواع الأساسية التي يعرف بها الخط المغربي الآن.

 وشكلت مختلف عمليات الوصل بين هذا النوع والأنواع الخطية الأخرى قيمة فنية وثقافية في تشكيل الكتابة المغربية بجماليات متعددة قوامها التدوير والتناسب والمقاربة بين السطور وكل الخاصيات والمميزات التي يتمتع بها الخط المغربي عموما.   كما أن للزخارف الخطية الصحراوية المتنوعة دور فعال في إنتـاج بعض الخاصيات الجمالية خاصة التي لها علاقة بالإبداعات الفنية في النعال والتي اتخذت صبغة جمالية


[1] المعسول، المختار السوسي، 13/9

مغربية فريدة، تمزج بين الخط المغربي الصحراوي والزخارف المغربية المتنوعة[1]، مما يمنح المشهد الخطي جماليات إضافية. 

  إن مكانة الأشكال الجمالية اللائقة للخط تتحدد في استخداماته بالأشكال التجريدية، باعتبارها عناصر تصويرية مرئية لها خصائص وأبعاد رمزية قوامها التجريد. فالمراحل التطورية والصيغ الجمالية للحروف المفردة المجردة التي رافقت الخط المغربي الصحراوي طيلة مسيرته، لم تكن في منأى عن الأشكال الخطية الجمالية المتعددة، إذ ظلت هناك علاقة وطيدة وتوليف، ووصل دائم كما بالتجريد، يكون بشتى مظاهر الجمال يعكس مجموعة من الخصائص الفنية والتعابير المختلفة، لما له من الخصائص الجمالية التي تفسح له المجال واسعا للتعبير عن القيم الجمالية التي ترتبط في جوهرها بعدة قيم أخرى، وتعتبر قدرة فائقة من التعبيرات الجمالية التي تفصح عن العالم الداخلي للمبدع، وبهذه الإثارة تفتح إمكانيات أوسع لمشروع جمالي يساهم فيه القارئ في نطــاق تفسير الأشكــال الخطية الجمالية، وفــي نطــاق فلسفــة التفاعل الإبداعي بين الأشكال الخطية وآفاق القارئ لإثراء معنى الأشكال الخطية الجمالية المغربية الصحراوية.

  إن أشكال حروف الخط المغربي الصحراوي تتوفر على نوع من الجماليات المغربية التي أسهمت في تحولها إلى فن بلاغي دقيق، فتشكيل مجموعة من الروابط بين الحروف والكلمات والجمل والنصوص من خلال الخط المغربي الصحراوي قد ساعد على إنتاج مجموعة من الأعمال الجمالية من حيث البناء والتكوين شكلا ومضمونا.    

  وتكمن جمالية الخط المغربي الصحراوي في تموقعه بين الخط المغربي المبسوط والمجوهر مما يمنحه خاصيات جمالية متنوعة تتسم بها حروفه المتوالفة والمتصلة والمتشابكة التي تغلب عليها وحدة القياس والاتزان والتراص والدقة، تتمتع بالخصوصية الجمالية المغربية من خلال عمليات التداخل التي احتضنها الواقع الثقافي المغربي المتداخل والواقع الفني والاجتماعي، واحتضنتها كذلك الممارسة الخطية في كل ربوع المغرب على مر التاريخ المغربي المجيد.

   ولعل أكثر ما يميز هذه الحروف المغربية الصحراوية هو خصائصها الهندسية المتنوعة، وتنوع أشكالها التي تتسم بطابع السلاسة من استدارات وتناغم وحركيات وسكنات واسترسالات وتناسق شكلي وتوالف مع الإيمالات وأنصاف الاستدارات والتقويسات والإخفاءات الحرفية مما يسهم في مطاوعتها لكل الأشكال الفنية ويمنحها بعدا جماليا مغربيا خاصا.

   والخط المغربي الصحراوي هو واحد من بين هذه الخطوط المغربية التي تعايشت فيما بينها وشكلت وحدة الخط المغربي. بالنظر إلى ما تختزنه جميعها من ثقافة مشتركة وأسس فنية وروابط اجتماعية وثقافية موحدة تشهد به مختلف المراجع التي حررها مؤرخو المنطقة.[2] وهو ما ينم عن الروابط العميقة وتنوع الأشكال الوحدوية نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر التواصل العلمي ونظام الإجازات، يقول ” كاتبه الضعيف محمد بن مسعود السملالي الطالبي ثم المعدري كان الله له في الدارين وليا، وبه حفيا آمين: إن الأخ في الله تعالى، الفقيه النجيب، اللوذعي الأريب، أبا عبد الله سيدي محمد الطاهر بن محمد الباعمراني ثم السمهري، حفظه الله تعالى وتولاه، قد استجازني لحسن طويته.. وأجازني أيضا الفقيه الصالح المتبرك به، أبو عبد الله سيدي محمد بن أحمد بن حسين التمكشتي ثم الجلوي.. وأجازني شيخنا الفقيه أبو العباس سيدي أحمد بن إبراهيم بن محمد التومناري، ثم الإكراري، وهو عن والده الشيخ الشهير المتبرك به، العلامة المشارك أبي سالم سيدي إبراهيم بن محمد المذكور، وهو عن الشيخ الإمام الحافظ، المحقق الكبير، سيدي محمد الطيب بن كيران الفاسي، وغيره من معاصريه أهل فاس.. وأجازني أيضا غيرهم: كشيخنا العلامة الصالح، العارف بالله، سيدي الشيخ ماء العينين بن محمد فاضل الصحراوي.”[3] وكل هذا دليل على هذا التداخل والوحدة الثقافية والاجتماعية والوطنية للمغرب. ودليل على ما ” كان لعلماء الصحراء من احتكاك وتفاعل بعلماء باقي مناطق المغرب، مما أكد معاني الوحدة الدينية”[4]

   فكان لكل ذلك تأثير واسع على كل المناحي التي التصقت بالمجال الحضاري المغربي. فقد عمل الأدباء والفقهاء والشعراء والفنانون والخطاطون المغاربة على إرساء دعائم العمل الإبداعي وبسط العمليات الإبداعية في كل مناطق المغرب عبر أنواع الخط المغربي ومنها الخط المغربي الصحراوي بنوع من التجديد والابتكار. الذي تتسم أشكاله وصوره بخصائص وجدانية وروحية وجمالية، وتشع حروفه بأنوار العلم والمعرفة، ما يضفي عليه أنواعا من التأنق، تكشف عنه الحضارة المغربية العريقة طيلة مسيرته التاريخية المغربية المجيدة. وهو بذلك يكون ذا جذور متينة تثبت قوتها في عمق التاريخ المغربي العريق.

  وإن تفاعل الخط المغربي الصحراوي مع التراث المغربي عامة يمنحه أهمية تاريخية، ولاشك أن المبدع الصحراوي قد وظف مختلف التقنيات وكل العناصر التراثية المغربية في إبداعاته الخطية بجمالياتها وفنيتها المتنوعة، وكذلك بقيمتها الحضارية، حتى أضحى مجد الحرف المغربي الصحراوي تعبيرا عن العبقرية المغربية الصحراوية الفذة التي سعت من خلال ابتكاراتها الأدبية والفنية اقتحام مجال الجمال والتجويد والتطور اللامحدود في نطاقه المغربي الشمولي، وفي نطاق ما يحتوي عليه هذا الخط من عمق دلالي وبلاغي وفي نطاق تفاعله وانسجامه مع كل المجالات الأدبية والنقدية المغربية، ومع مختلف المضامين الروحية المرتبطة بالقرآن الكريم والقيم الإسلامية الراقية والثوابت الوطنية المغربية، وكذلك مع الأشكال الفنية من ألوان باهية، وأشكال ورسوم تحلت بها كل مواطن الجمال في الذاكرة المغربية الصحراوية الحضارية.


[1] تتنوع الزخارف العربية والأمازيغية بتنوع أشكالها، حيث كان لها دور في تغذية الخط المغربي جماليا وفنيا.

[2] الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية – المرتكزات التاريخية، ماجدة كريمي، ص 69

[3]  إرشاد النبلاء إلى إجازات العلامة رضى الله محمد المختار السوسي من الشيوخ والعلماء، جمع وتصنيف ونشر رضى الله عبد الوافي المختار السوسي، تقديم الشيخ محمد بن عبد الله آل رشيد، ص 38

[4] الوحدة الترابية من خلال العلائق العلمية بين الحواضر المغربية وامتداداتها الصحراوية، الشيخ محمد يحيى الولاتي أنموذجا، حسن حميتو، ص29.

اعلن على موقع بصراوي

عن الدكتور محمد البندوري

الدكتور محمد البندوري من المغرب

شاهد أيضاً

استغراب المواطنين من إغلاق السفارة الدنماركية في العراق

استغراب المواطنين من إغلاق السفارة الدنماركية في العراق مقال : محمد حسين العبوسي / مدافع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *